مفارقات هوليوودية.... أفلام غيرت مجرى التاريخ

مفارقات هوليوودية.... أفلام غيرت مجرى التاريخ




محمود الزواوي - يزخر تاريخ هوليوود بالمفارقات التي عكست الأبعاد الإنسانية الدرامية والفكاهية لأهل الفن. وكان لبعضها نتائج حاسمة غيرت مجرى حياة الكثيرين، وربما غيرت مجرى التاريخ أحيانا. فيما يلي الحلقة الثانية من عدة حلقات أسرد فيها بعض المفارقات الهوليوودية.
يحتل فيلم ''الدار البيضاء / كزابلانكا'' (1942) المركز الثاني في قائمة معهد الأفلام الأميركي لأفضل 100 فيلم أميركي. وهذا الفيلم هو واحد من أكثر ثلاثة أفلام شعبية بين الأميركيين، إلى جانب فيلمي ''ذهب مع الريح'' (1939) و''ساحر أوز'' (1939). ومن المفارقات أن فيلم ''الدار البيضاء'' الذي رشح لثمان من جوائز الأوسكار وفاز بثلاث منها، هي جوائز أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل سيناريو، قد يكون أكثر فيلم ''مرتجل'' في تاريخ السينما الأميركية. وتنطبق عبارة ''ارتجال'' على هذا الفيلم في جميع مراحل إعداده وإنتاجه، حتى أن سيناريو الفيلم لم يكن قد اكتمل عندما بدأ تصوير مشاهد الفيلم. ومن المفارقات أن هذا السيناريو المرتجل فاز بجائزة الأوسكار.
ومن المفارقات أيضا أن حوار الفيلم كان يغير باستمرار بين لقطات الفيلم، مما أثار سخط ممثليه الذين لم يتمكنوا من حفظ أدوارهم قبل تصوير المشاهد، والذين أصابهم الإعياء وتنفسوا الصعداء عند انتهاء تصوير الفيلم وهم لا يدرون أنهم اشتركوا في عمل سينمائي خالد. ولم يكن أحد، بمن في ذلك كتّاب سيناريو الفيلم الثلاثة، متأكدا من نهاية الفيلم، التي تم تغييرها أكثر من مرة في النص السينمائي، أي هل ستبقى بطلة القصة مع حبيبها في الدار البيضاء خلال الحرب العالمية الثانية، أم أنها سترافق زوجها في الطائرة التي ستقلع من مطار المدينة، وهذا هو ما فعلته في نهاية الفيلم الحالية.
وينطبق طابع ''الارتجال'' في فيلم ''الدار البيضاء'' على اختيار مخرجه وممثليه الذين تم تغييرهم مرارا قبل أن يقع الاختيار على المخرج المجري المولد مايكل كيرتيز. كما ينطبق على أبطال الفيلم همفري بوجارت وإنجريد بيرجمان وبول هنريد الذين حلوا محل ممثلين آخرين، علما بأن الثلاثة قبلوا أدوارهم في الفيلم على مضض. وكانت نظرة بطلي الفيلم همفري بوجارت وإنجريد بيرجمان نحو الفيلم سلبية جدا، حتى أنهما وصفا سيناريو الفيلم بأنه سخيف واعتبرا أحداثه غير قابلة للتصديق.
ومن الممثلين الذين رشحوا للقيام بدور البطولة قبل اختيار الممثل همفري بوجارت الذي أصبح فيلم ''الدار البيضاء'' أشهر أفلامه، الممثل رونالد ريجان، الرئيس الأميركي المقبل، والممثل جورج رافت الذي رفض الدور بادىء الأمر ولكنه غير رأيه بعد فوات الأوان. أما دور البطولة النسائية فقد رشحت له كل من ميشيل مورجان وهيدي لامار وجيرالدين فيتزجيرالد قبل اختيار الممثلة السويدية إنجريد بيرجمان، التي أصبح هذا الفيلم أشهر أفلامها. ومن المفارقات الأخرى أن معظم الممثلين الذين قاموا بأدوار الجنود الألمان النازيين كانوا من الألمان اليهود الذين فروا من النازية في ألمانيا.
وحتى أغنية الفيلم الشهيرة ''مع مرور الوقت'' التي احتلت المركز الأول بين الأغاني الشائعة في الولايات المتحدة سنة عرض الفيلم استبدل مغنيها في الفيلم في اللحظات الأخيرة، بل إن تلك الأغنية كانت قد صدرت قبل أحد عشر عاما من ظهورها في الفيلم. وقد حل الممثل والمغني الأسمر دولي ولسون محل الممثل كلارنس ميوس الذي كان الخيار الأول لهذا الدور.
وتظاهر دولي ولسون بالعزف على البيانو أثناء أداء الأغنية في أحد المشاهد الهامة في الفيلم، بالنظر لعدم إجادته ذلك العزف، بل إنه كان يحرك يديه وهو يراقب عازف بيانو محترف كان يجلس خلف ستارة. وتحتل هذه الأغنية المركز الثاني بعد أغنية ''في مكان ما فوق قوس قزح'' من فيلم ''ساحر أوز'' في قائمة معهد الأفلام الأميركي لأفضل 100 أغنية سينمائية.
ويثير استبدال رئيس المستقبل الممثل رونالد ريجان في بطولة فيلم ''الدار البيضاء'' بعض التساؤلات. فبالنظر لتخصص رونالد ريجان في أفلام الدرجة الثانية على مدى السنين العديدة التي عمل خلالها في استوديو الأخوة وارنر، فإن السؤال الذي يخطر على البال هو: لو أن رونالد ريجان قام ببطولة فيلم ''الدار البيضاء''، وازدادت شهرته نتيجة لذلك، فلربما أنه كان قد قرر عدم الاتجاه نحو الاهتمام بالسياسة التي يعتقد على نطاق واسع أنه بدأ يهتم بها منذ أربعينيات القرن الماضي لأنه فشل في الصعود إلى النجومية السينمائية. والسؤال الذي يطرح نفسه ويظل بدون إجابة هو: هل كان رونالد ريجان سيصبح رئيس الولايات المتحدة لو أنه قام ببطولة فيلم ''الدار البيضاء'' واكتسب الشهرة التي كان يصبو إليها؟ ربما كان فيلم ''الدار البيضاء'' قد غير التاريخ، ولكن من يدري؟.